الوَاقِعُ المُصنّع وبرمجة العقول - د. محمد محمود مرتضى

مشاركة هذا الموضوع :

ثمَّة تغيّر هائل يجري في هذا العالم على مستوى الصراعات؛ حيث غدت العقول هدفًا للاحتلال هي الميدان الأهمّ، فلم يعد الانتصار يُقاس باحتلال الأرض، وإنما باحتلال الإدراك.

فنحن أمام حروب من نوعٍ جديد؛ حيث تُخاض بالمفاهيم، والصور، والمصطلحات، والسرديَّات. إنّها حروب السيطرة على الوعي؛ حيث يصبح تشكيل الرأي، وصناعة الواقع، وتوجيه القناعات، جزءًا من معركة أشد فتكًا من الحرب التقليديَّة؛ لأنّها تُمارَس من الداخل، في صمتٍ ونعومة، دون أن تترك وراءها دماء، بل تخلّف إنسانًا مُفرَّغًا، راضيًا بقهره، ومدافعًا عن سجّانه.

لقد تغيَّرت بنية السيطرة: فبدلًا من القمع، هناك الإقناع، وبدلًا من الوصاية الفجَّة، هناك صناعة الرغبة. لم تعد الهيمنة تفرض بالقوة، بل تُزرع في النفوس عبر الإعلام، والتعليم، والفنّ، والتقنيَّة، وحتى الدين حين يُفرَّغ من مضمونه ويُعاد تصنيعه. ووسط هذا المشهد، أضحت المعركة بين وعي مستنير، ووعي مبرمج، بين من يرى العالم بعينيه، ومن يُملى عليه كيف يراه.

وفي قلب هذه المعركة، تلعب النخب الثقافيَّة دورًا محوريًّا: فمن كان يُفترض بهم أن يقودوا الوعي، أصبح كثير منهم يُعيد إنتاج أدوات السيطرة بلغةٍ "عقلانيَّة"، أو خطابٍ "حداثي"، أو تحليلٍ "موضوعيّ" يخفي في طيّاته تسليمًا بالهزيمة، وتطبيعًا مع المستبدّ.

التعليقات


قد يعجبك

مجلة «أمم للدراسات الإنسانية والاجتماعية»، مجلة علمية فصلية مُحكّمة، تصدر عن «مركز براثا للدراسات والبحوث» في بيروت/لبنان.
messages.copyright © 2023, امم للدراسات الانسانية والاجتماعية