فالإنسان - لدى اليونانيين - كائن ذاتي فردي، له الأولوية في ذاته، فساروا صوبها وأوصوا بضرورة الانشغال بها. كما أكّدوا أنه لا يُمكن أن يكون هو ذاته، من دون أن يعيش طبيعته العارية كما هي، حتى في موضوع لذاته وشهواته وغرائزه. وقد انعكس فهم الفلسفة اليونانية للطبيعة(عموماً) حتى على وعيها للأخلاق، التي أعطتها بُعدها الحسّي الطبيعي، بعيداً عن أيّة إلزامات وقيود فوق بشرية.
ولهذا، لاحظنا كيف أنّ اللذات الحسّية في العصر اليوناني (الأفروديزيات= لذّات البدن دون لذّات الروح)، كانت ممتدة ومتّسعة النطاق فكرًا وعملاً، ليتمّ إعطاء تفسيرات عديدة لها ولمجمل النزعات الحسية الغرائزية، مغطاة بأخلاقيّات ورؤى أخلاقية من سنخها.
ومع مجيء المسيحية، انعكست الآيةُ كليًّا، حيثُ انصبّ التفكير الأخلاقي كله، على دعوة المؤمن للهيمنة على شهواته ورغابته، كدلالة على إيمانه وانتصاره الروحي، مع التركيز على الطهارة باعتبارها سبيلاً للخلاص الكلّي.
لتنتهي الأخلاق في العقل الفلسفي الغربي الحديث، نهاية وضعية حسِّية، جعلت من تناول الإنسان – وكل ما يتعلق به- موضوعاً للمعرفة العلمية الممكنة، بعيدًا عن أيّة علاقة له مع المعيار الأخلاقي الإنساني ذاته، بعيدًا عن أيّة معاني روحية ومفارقة. وهذا ما أثّر على الفكر السياسي الغربي، الذي شهد وما زال يشهد، تغييبًا كاملاً للأخلاق، كمعيار وشرط لممارسة السياسة.
اضافةتعليق